كعبة الحرية
المحرر التربوي
خلق الله الكون كله على نظام العبودية لله والدوران في قدره " إن كل من في السماوات والأرض الا آتي الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدهم عداً " والعبودية لله معناها الخضوع لله وحده والتحرر عما سواه أياً كان ذلك الأمر والداعي والشيء ،والله سبحانه حمل الأمانة السماوات والأرض والجبال فحملها الإنسان فأعطاه الله أدوات حمل الأمانة وكرمه واستخلفه في أرضه بأن يقيم شرع الله ، ويكون حراً فيها قائماً بما أمر الله به .
وأنزل الله للإنسان الهدى الإلهي " قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم من هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى "
والهدى الإلهي جعل الله للإنسان فيه حرية الإتباع و الاختيار " لا اكراه في الدين " "لمن شاء منكم أن يستقيم "
وحرية الإنسان لأنها خلق من خلق الله فإنها تقوم على الميزان الإلهي الموضوع لنا ، حتى لا نطغى ونضل السبيل ،فالإنسان ـ أيا كان نوعه ـ فطرته مركوزة على عبادة الله والتحرر مما سواه والأمر لنا " فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون" .
فالفطرة الإنسانية السوية تلتزم الإسلام الذي حررها ، فتعيش بكرامتها ،أما من طغى فإن فطرته ستكون مضطربة وعقله الذي يحثه على التمييز بين العبودية الحقة لله التي تحررنا من كل ما سواه وبين العبودية لغير الله التي تجعل حريتنا مرتهنة لغير الله فنختل في سيرنا واستخلافنا في الأرض .. ونقرب ونبعد من الحرية الحقة والكرامة المركوزة في فطرة كل إنسان.
ويبقى للإنسان الحر سلطات ثلاث يعيش حياته مندرجاً فيها ، يكون حراً إن استكملها وأن نقصت فيه واحدة أو أكثر فإنه سيتخبط ولو ادعى الحرية ، وهذه السلطات الثلاث: *سلطة الضمير الإنساني وداع الفطرة السوية التي هي على الدين *وسلطة الدين التي هي صلة الروح الإنسانية مستجيبة لأمر الله *والسلطة الثالثة التي تجعل الإنسانية كلها إن اختلفت ضمائرها وتنوعت أديانها في مستوى يرضاه الجميع وهي سلطة الدولة والسلطان التي بها يزع الله ما لايزع بالقرآن. وهذه السلطات الثلاث عليها مدار القيم الحضارية الكبرى والمقاصد الشرعية العظمى والأخلاق النبيلة المتوارثة في كل قوم .
والإسلام الذي جاء من عند الله وارتضاه لنا ، جاء شاملاً لأمور الدين والدنيا بل ومهيمناً عليه وعلى كل شعب الحياة وأحيائها " الإيمان بضع وسبعون شعبة " ومبيناً كل صغيره وكبيرة " ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء " ،فالإيمان هو الروح الهادية لسواء السبيل .
والإسلام الذي أمر الناس بالاستخلاف في الأرض وبناء الحضارة الإنسانية التي تسعد البشرية ، و التمكين لشرع الله بحفظ مقاصد الحياة الكبرى وكلياتها الخمسة " الدين ، النفس ، العقل ، العرض ، المال " ،هذه كلها داخلة فيها الحرية كمقصد يجمعها ، بل عدّها بعض العلماء المقصد السادس في الإسلام ، وحرية الفرد الداخلة في دائرة المجتمع المنضوية في دائرة الإنسانية رابطها الوحيد الإسلام الذي من اتبعه كان حراً ومن سار على هديه كانت فطرته سوية ومن التزم بما فيه جاءته سعادة الدنيا والآخرة .
والفرد أياً كان نوعه وجه الإسلام له الخطاب الذي يأمر باتباع الإسلام والسعي لتحرير الناس مما سوى الله .
والحرية كعبة تهواها النفوس وتتوجه لها البشرية بل وتقوم في صفوف الحياة مقبلة نحوها لا تتخلى عنها كما لا يتخلى الإنسان عن الهواء والماء والغذاء ، إلا أن الأيام قد تجعل ممن يقومون بسلطة الدولة يقيدون الحريات على أتباعهم فإذا بالأفراد يصبرون صبر المضطر ، لكن نغمة من حر يدلهم على معاناتهم لفقدهم الحرية ويرشدهم للحرية الحقة إذا بهم ينتقضون ويثورون ، ولن تقف في وجههم قوة سلطة أو رجال أمن الدولة أو تزييف للحق وتلبيس لمراد البشر من أن يحيوا حياة كريمة حرة فيها العدل ومقتضيات الفطرة السوية ومقاصد الشريعة الكلية ، وما قول النبي صلى الله عليه وسلم :"لهدم الكعبة حجرا حجرا أهون على الله من اراقة دم امرىء مسلم "وتساؤل هند بنت عتبة رضي الله عنها في بيعة النساء قائلة " أو تزني الحرة " أي أن الحر لا يقع فيما يذهب حريته ويفقده انسانيته وكرامته.
وسنة الله جارية في البشرية أن يختلفوا لكن مرجع صلاحهم واتفاقهم دين الإسلام وسنة الله ماضية بتتداول الأيام وسنة الله على جنس البشرية جمعاء أن الفاسد لا يصلح له عمل ويزول زبده ، ويبقى الحق المتصل بالسماء.
وخلاصة القول أن الحرية فطرة إنسانية خلقها الله كما أنزل الدين ، فكانت الفطرة السوية هي الدين القيم الذي جاء بتحرير الناس مما سوى الله ، وجعل حريتهم هي ميزان عبوديتهم لله عزوجل التي لا يتخلون عنها في حياتهم لأنها كعبة توصلهم للعبودية الحقة لله تعالى ، وحضارة إنسانية يسعدون بها ضميراً وديناً ودولة ويدافعون عنها بكل ما يملكون وعلى هذا سنن التداول والتدافع والتمكين .